فصل: تفسير الآيات (34- 39):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (34- 39):

{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39)}
{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ}.
{فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي: فما بال الذين كفروا، كقوله: {فما لهم عن التذكرة معرضين} [المدثر- 49] {قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ} مسرعين مقبلين إليك ماديّ أعناقهم ومديمي النظر إليك متطلعين نحوك.
نزلت في جماعة من الكفار كانوا يجتمعون حول النبي صلى الله عليه وسلم يستمعون كلامه ويستهزئون به ويكذبونه، فقال الله تعالى: ما لهم ينظرون إليك ويجلسون عندك وهم لا ينتفعون بما يستمعون. {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ} حلقًا وفرقًا، والعزين جماعات في تفرقة، واحدتها عِزَة. {أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ} قال ابن عباس: معناه أيطمع كل رجل منهم أن يدخل جنَّتي كما يدخلها المسلمون ويتنعم فيها وقد كذَّب نبيي؟ {كَلا} لا يدخلونها. ثم ابتدأ فقال: {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ} أي: من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة، نبه الناس على أنهم خلقوا من أصل واحد وإنما يتفاضلون ويستوجبون الجنة بالإيمان والطاعة.
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخبرنا الحسين بن محمد بن فنجويه، حدثنا موسى بن محمد بن علي، حدثنا جعفر بن محمد الفريابي، حدثنا صفوان بن صالح، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا جرير بن عثمان الرحبي، عن عبد الرحمن بن ميسرة، عن جبير بن نفير، عن بسر بن جحاش القرشي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم وبصق يومًا في كفه ووضع عليها إصبعه فقال: يقول الله عز وجل: «ابن آدم أنىَّ تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه، حتى إذا سوَّيتُك وعدلتُك ومشيت بين بردين، وللأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت أتصدق وأنى أوان الصدقة».
وقيل: معناه إنا خلقناهم من أجل ما يعملون وهو الأمر والنهي والثواب والعقاب.
وقيل: ما بمعنى من مجازه: إنا خلقناهم ممن يعلمون ويعقلون لا كالبهائم.

.تفسير الآيات (40- 44):

{فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44)}
{فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} يعني مشرق كل يوم من أيام السنة ومغربه {إِنَّا لَقَادِرُونَ} {عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ} على أن نخلق أمثل منهم وأطوع لله ورسوله {وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا} في باطلهم {وَيَلْعَبُوا} في دنياهم {حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} نسختها آية القتال. {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ} من القبور {سِرَاعًا} إلى إجابة الداعي {كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ} قرأ ابن عامر وابن عباس وحفص: {نُصُبٍ} بضم النون والصاد، وقرأ الآخرون بفتح النون وسكون الصاد يعنون إلى شيء منصوب، يقال: فلان نُصْبَ عيني. وقال الكلبي: إلى عَلَمٍ وراية. ومن قرأ بالضم، قال مقاتل والكسائي: يعني إلى أوثانهم التي كانوا يعبدونها من دون الله كقوله: {وما ذبح على النصب} [المائدة- 3] قال الحسن: يسرعون إليها أيهم يستلمها أولا {يُوفِضُونَ} يسرعون. {خَاشِعَةً} ذليلة خاضعة {أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} يغشاهم هوان {ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} يعني يوم القيامة.

.سورة نوح:

مكية.

.تفسير الآيات (1- 6):

{إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4) قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَارًا (6)}
{إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ} أي: بأن أنذر قومك {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} المعنى: إنا أرسلناه لينذرهم بالعذاب إن لم يؤمنوا. {قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ} أنذركم وأبين لكم رسالة الله بلغة تعرفونها. {أَنِ اعبُدُوا اللَّهَ واتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} {من} صلة، أي: يغفر لكم ذنوبكم. وقيل: يعني ما سلف من ذنوبكم إلى وقت الإيمان، وذلك بعض ذنوبهم {وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} أي: يعافيكم إلى منتهى آجالكم فلا يعاقبكم {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} يقول: آمنوا قبل الموت تسلموا من العذاب فإن أجل الموت إذا جاء لا يؤخر ولا يمكنكم الإيمان. {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَارًا} نفارًا وإدبارًا عن الإيمان والحق.

.تفسير الآيات (7- 11):

{وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11)}
{وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ} إلى الإيمان بك {لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} لئلا يسمعوا دعوتي {وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} غطوا بها وجوههم لئلا يروني {وَأَصَرُّوا} على كفرهم {وَاسْتَكْبَرُوا} عن الإيمان بك {اسْتِكْبَارًا} {ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا} معلنا بالدعاء. قال ابن عباس: بأعلى صوتي. {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ} كررت الدعاء مُعلنًا {وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} قال ابن عباس: يريد الرجل بعد الرجل أكلمه سرًا بيني وبينهُ أدعوه إلى عبادتك وتوحيدك. {فَقُلتُ استَغفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} وذلك أن قوم نوح لما كذبوه زمانًا طويلا حبس الله عنهم المطر وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة، فهلكت أموالهم ومواشيهم، فقال لهم نوح: استغفروا ربكم من الشرك، أي استدعوا المغفرة بالتوحيد، يرسل السماء عليكم مدرارا.
وروى مطرف عن الشعبي أن عمر رضي الله تعالى عنه خرج يستسقي بالناس، فلم يزد على الاستغفار حتى رجع، فقيل له: ما سمعناك استسقيت؟ فقال. طلبت الغيث بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر، ثم قرأ: {استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا}.

.تفسير الآيات (12- 19):

{وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ بِسَاطًا (19)}
{وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} قال عطاء: يكثر أموالكم وأولادكم {وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} قال ابن عباس ومجاهد: لا ترون لله عظمة. وقال سعيد بن جبير: ما لكم لا تعظمون الله حق عظمته. وقال الكلبي: لا تخافون الله حق عظمته.
والرجاء بمعنى الخوف، والوقار العظمة اسم من التوقير وهو التعظيم.
قال الحسن: لا تعرفون لله حقًا ولا تشكرون له نعمة.
قال ابن كيسان: ما لكم لا ترجون في عبادة الله أن يثيبكم على توقيركم إياه خيرًا. {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} تارات حالا بعد حالٍ نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى تمام الخلق. {أَلَم تَرَوا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} قال الحسن: يعني في السماء الدنيا كما يقال: أتيت بني تميم، وإنما أتى بعضهم، وفلان متوار في دور بني فلان وإنما هو في دار واحدة. وقال عبد الله بن عمرو: إن الشمس والقمر وجوههما إلى السماوات، وضوء الشمس ونور القمر فيهن وأقفيتهما إلى الأرض. ويروي هذا عن ابن عباس.
{وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} مصباحًا مضيئًا. {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأرْضِ نَبَاتًا} أراد مبدأ خلق آدم خلقه من الأرض والناس ولده، وقوله: {نباتا} اسم جعل في موضع المصدر أي إنباتًا قال الخليل: مجازه: أنبتكم فنبتُّم نباتًا. {ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا} بعد الموت {وَيُخْرِجُكُمْ} منها يوم البعث أحياء {إِخْرَاجًا} {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ بِسَاطًا} فرشها وبسطها لكم.

.تفسير الآيات (20- 23):

{لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلا فِجَاجًا (20) قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23)}
{لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلا فِجَاجًا} طرقًا واسعة. {قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي} لم يجيبوا دعوتي {وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلا خَسَارًا} يعني: اتبع السفلةُ والفقراءُ القادةَ والرؤساءَ الذين لم يزدهم كثرة المال والولد إلا ضلالا في الدنيا وعقوبة في الآخرة. {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا} أي كبيرًا عظيمًا يقال: كبير وكبار بالتخفيف كُبَّار بالتشديد، كلها بمعنى واحد، كما يقال: أمر عجيب وعجَاب وعجَّاب بالتشديد وهو أشد في المبالغة.
واختلفوا في معنى مكرهم. قال ابن عباس: قالوا قولا عظيمًا. وقال الضحاك: افتروا على الله وكذبوا رسله وقيل: منع الرؤساء أتباعهم عن الإيمان بنوح وحرضوهم على قتله. {وَقَالُوا} لهم {لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ} أي لا تتركوا عبادتها {وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا} قرأ أهل المدينة بضم الواو والباقون بفتحها {وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} هذه أسماء آلهتهم.
قال محمد بن كعب: هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح فلما ماتوا كان لهم أتباع يقتدون بهم ويأخذون بعدهم بأخذهم في العبادة فجاءهم إبليس وقال لهم: لو صورتم صورهم كان أنشط لكم وأشوق إلى العبادة، ففعلوا ثم نشأ قوم بعدهم فقال لهم إبليس: إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم فعبدوهم، فابتداء عبادة الأوثان كان من ذلك.
وسميت تلك الصور بهذه الأسماء لأنهم صوروها على صور أولئك القوم من المسلمين.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا هشام عن ابن جريج وقال عطاء عن ابن عباس: صارت الأوثان التي كانت تعبد في قوم نوح تعبد في العرب بعده أما وَدّ فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يَغُوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجرف عند سبا وأما يَعُوق فكانت لهمدان، وأما نَسْر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع ذكره في تفسيره.
وروى سفيان عن موسى عن محمد بن قيس قوله تعالى: {ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا} قال: كانت أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا في مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تُعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عُبِدَتْ.
وروي عن ابن عباس: أن تلك الأوثان دفنها الطوفان وطمها التراب، فلم تزل مدفونة حتى أخرجها الشيطان لمشركي العرب، وكانت للعرب أصنام أخر فاللات كانت لثقيف، والعزى لسليم وغطفان وجشم ومناة لقديد، وإساف ونائلة وهُبل لأهل مكة.

.تفسير الآيات (24- 25):

{وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا ضَلالا (24) مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25)}
{وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا} أي: ضل بسبب الأصنام كثير من الناس كقوله عز وجل: {رب إنهن أضللن كثيرا من الناس} [إبراهيم- 36] وقال مقاتل: أضل كبراؤهم كثيرًا من الناس {وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا ضَلالا} هذا دعاء عليهم بعدما أعلم الله نوحًا أنهم لا يؤمنون، وهو قوله: {أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن} [هود- 36]. {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ} أي: من خطيئاتهم وما صلة، وقرأ أبو عمرو: {خطاياهم} وكلاهما جمع خطيئة {أُغْرِقُوا} بالطوفان {فَأُدْخِلُوا نَارًا} قال الضحاك: هي في حالة واحدة في الدنيا يغرقون من جانب ويحترقون من جانب، وقال مقاتل: فأدخلوا نارًا في الآخرة {فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا} لم يجدوا أحدًا يمنعهم من عذاب الله.

.تفسير الآيات (26- 28):

{وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا تَبَارًا (28)}
{وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} أحدًا يدور في الأرض فيذهب ويجيء أصله من الدوران وقال ابن قتيبة إن أصله من الدار، أي: نازل دار. {إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ} قال ابن عباس، والكلبي ومقاتل: كان الرجل ينطلق بابنه إلى نوح فيقول: احذر هذا فإنه كذاب، وإن أبي حذرنيه فيموت الكبير وينشأ الصغير عليه {وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا} قال محمد بن كعب، ومقاتل، والربيع، وغيرهم: إنما قال نوح هذا حين أخرج الله كل مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم وأعقم أرحام نسائهم وأيبس أصلاب رجالهم قبل العذاب بأربعين سنة. وقيل سبعين سنة وأخبر الله نوحا أنهم لا يؤمنون ولا يلدون مؤمنًا فحينئذ دعا عليهم نوح فأجاب الله دعاءه، وأهلكهم كلهم ولم يكن فيهم صبي وقت العذاب لأن الله تعالى قال: {وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم} [الفرقان- 37] ولم يوجد التكذيب من الأطفال. {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} واسم أبيه: لمك بن متوشلخ، واسم أمه: سمحاء بنت أنوش، وكانا مؤمنين وقيل اسمها هيجل بنت لاموش بن متوشلخ فكانت بنت عمه {وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ} داري {مُؤْمِنًا} وقال الضحاك والكلبي: مسجدي. وقيل: سفينتي {وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} هذا عام في كل من آمن بالله وصدَّق الرسل {وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا تَبَارًا} هلاكًا ودمارًا فاستجاب الله دعاءه فأهلكهم.